سورة محمد - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{وَلَوْ نَشَاء} إراءتَهم {لأريناكهم} لعرّفناكَهُم بدلائلَ تعرفُهم بأعيانِهم معرفةً متاخمةٌ للرؤيةِ. والالتفاتُ إلى نونِ العظمةِ لإبرازِ العنايةِ بالإراءةِ {فَلَعَرَفْتَهُم بسيماهم} بعلامتهم التي نسِمهُم بها. وعن أنسٍ رضيَ الله عنه ما خَفِيَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بعد هذهِ الآيةِ شىءٌ من المنافقين كان يعرفُهم بسيماهم ولقد كنا في بعضِ الغزواتِ وفيها تسعةٌ من المنافقينَ يشكُوهم الناسُ فناموا ذاتَ ليلةٍ وأصبحوا وعلى كلِّ واحدٍ منهم مكتوبٌ هذا منافقٌ. واللامُ لامُ الجوابِ كُررتْ في المعطوفِ للتأكيدِ، والفاءُ لترتيبِ المعرفةِ على الإراءةِ، وأمَّا ما في قولِه تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ القول} فلجوابِ قسمٍ محذوفٍ. ولحنُ القولِ نحوُه وأسلوبُه أو إمالتُه إلى جهةِ تعريضٍ وتوريةٍ، ومنه قيلَ للمُخطىءِ لاحنٌ لعدلِه بالكلامِ عن سمتِ الصوابِ. {والله يَعْلَمُ أعمالكم} فيجازيكُم بسحبِ قصدِكم، وهذا وعدٌ للمؤمنين وإيذانٌ بأنَّ حالَهم بخلافِ حالِ المنافقينَ.
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم} بالأمرِ بالجهادِ ونحوهِ من التكاليفِ الشاقةِ {حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين} على مشاقِّ الجهادِ علماً فعلياً يتعلقُ به الجزاءَ {وَنَبْلُوَ أخباركم} ما يخبرُ به عن أعمالِكم فيظهرُ حسنُها وقبيحُها. وقرئ: {ويبلوَ} بالياء، وقرئ: {نبلُوْ} بسكونِ الواو، على معنى ونحنُ نبلُوا.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ} الناسَ {عَن سَبِيلِ الله وَشَاقُّواْ الرسول} وعادَوه {مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} بما شاهدُوا نعتَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في التوراةِ بما ظهرَ على يديهِ من المعجزاتِ ونزلَ عليه من الآياتِ وهم قريظةُ والنضيرُ أو المطعمونَ يومَ بدرٍ. {لَن يَضُرُّواْ الله} بكُفرِهم وصدِّهم {شَيْئاً} من الأشياءِ أو شيئاً من الضررِ أو لن يضرُّوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بمشاقَّتِه شيئاً. وقد حُذفَ المضافُ لتعظيمِه وتفظيعِ مشاقَّته. {وَسَيُحْبِطُ أعمالهم} أي مكايدَهُم التي نصبُوها في إبطالِ دينِه تعالى ومُشاقَّةِ رسولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فلا يصلونَ بَها إلى ما كانُوا يبغونَ من الغوائلِ ولا تُثمر لهم إلا القتلَ والجلأَ عن أوطانِهم. {ياأيها الذين ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول وَلاَ تُبْطِلُواْ أعمالكم} بما أبطلَ به هؤلاءِ أعمالَهم من الكفرِ والنفاقِ والعُجبِ والرياءِ والمنِّ والأَذَى ونحوِها، وليسَ فيه دليلٌ على إحباطِ الطاعاتِ بالكبائرِ.


{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} حكمٌ يعمُّ كلَّ مَن ماتَ على الكُفر وإنْ صحَّ نزولُه في أصحابِ القَليبِ.
{فَلاَ تَهِنُواْ} أي لا تضعُفوا {وَتَدْعُواْ إِلَى السلم} أي ولا تدْعوا الكفارَ إلى الصلحِ خَوَراً فإنَّ ذلك إعطاءُ الدنيَّةِ. ويجوزُ أن يكونَ منصوباً بإضمارِ أنْ على جوابِ النَّهي. وقرئ: {ولا تدَّعُوا} من ادَّعى القومُ بمعنى تَدَاعَوا نحوُ ارتَموا الصيدَ وتَرَامَوهُ ومنه تراءَوا الهلالَ فإنَّ صيغةَ التفاعلِ قد يُرادُ بها صدورُ الفعلِ عن المتعددِ من غير اعتبار وقوعِه عليه. ومنه قولُه تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ} على أحدِ الوجهينِ. والفاءُ لترتيبِ النَّهي على ما سبقَ من الأمرِ بالطَّاعةِ. وقولُه تعالى: {وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ} جملةٌ حاليةٌ مقررةٌ لمعنى النَّهي مؤكدةٌ لوجوبِ الانتهاءِ، وكذا قولُه تعالى: {والله مَعَكُمْ} فإنَّ كونَهمُ الأعلينَ وكونَهُ عزَّ وجلَّ ناصرَهُم من أَقْوى موجباتِ الاجتنابِ عمَّا يُوهم الذلَّ والضراعةَ وكذا توفيتُه تعالى لأجور الأعمال حسبما يُعربُ عنه قولُه تعالى: {وَلَن يَتِرَكُمْ أعمالكم} أيْ ولن يضيَّعها من وتَرتَ الرجلَ إذا قتلتَ له قتيلاً من ولدٍ أو أخٍ أو حميمٍ فأفردَتُه عنه من الوترِ الذي هُو الفردُ. وعُبِّرَ عن تركِ الإثابةِ في مقابلةِ الأعمالِ بالوترِ الذي هو إضاعةُ شيءٍ معتدَ به من الأنفس والأموال مع أن الأعمال غير موجبة للثواب على قاعدة أهل السَّنَّةِ إبرازاً لغايةِ اللطفِ بتصويرِ الثوابِ بصورةِ الحقِّ المستحقِّ وتنزيلِ تركِ الإثابةِ منزلةَ إضاعةِ أعظمِ الحقوقِ وإتلافِها، وقد مرَّ في قولِه تعالى: {فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ} {إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} لا ثباتَ لها ولا اعتدادَ بها {وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} أي ثوابَ إيمانِكم وتقواكم من الباقياتِ الصالحاتِ التي يتنافسُ فيها المتنافسونَ. {وَلاَ يَسْئَلْكُمْ أموالكم} بحيثُ يخلُّ أداؤُها بمعاشِكم، وإنما اقتصرَ على نَزْرٍ يسيرٍ منَها هُو ربعُ العُشرِ تُؤدونَها إلى فقرائِكم. {ؤإِن يَسْئَلْكُمُوهَا} أي أموالَكم {فَيُحْفِكُمْ} أي يُجهدْكُم بطلبِ الكلِّ فإن الإحفاءَ والإلحافَ المبالغةُ وبلوغُ الغايةِ، يقالُ أحفَى شاربَهُ إذا استأصلَهُ، {تَبْخَلُواْ} فلا تُعطُوا {وَيُخْرِجْ أضغانكم} أي أحقادَكُم. وضميرُ يُخرج لله تعالى ويعضدُه القراءةُ بنونِ العظمةِ، أو للبخلِ لأنه سببُ الأضغانِ، وقرئ: {يَخرجُ} من الخروجِ بالياءِ والتاءِ مُسنَداً إلى الأضغانِ.
{ثُمَّ أَنتُمْ هؤلاء} أي أنتُم أيها المخاطبونَ هؤلاء الموصوفونَ. وقولُه تعالى: {تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ الله} استثنافٌ مقررٌ لذلكَ أو صلةٌ لهؤلاءِ على أنَّه بمَعْنى الذينَ، أي هَا أنتُم الذين تُدعَونَ ففيهِ توبيخٌ عظيمٌ وتحقيرٌ مَنْ شأنِهم. والإنفاقُ في سبيلِ الله يعمُّ الغزوِ والزكاةَ وغيرَهُما. {فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ} أي ناسٌ يبخلونَ وهو في حيزِ الدليلِ على الشرطيةِ السابقةِ.

1 | 2 | 3 | 4